الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مقدمة ابن الصلاح المسمى بـ «معرفة أنواع علوم الحديث» **
*1* هذا فن عزيز مهم، لم أعلم أحداً أفرده بالتصنيف واعتنى به، مع كونه حقيقاً بذلك جداً. (239) وهم منقسمون: فمنهم من خلط لاختلاطه وخرفه، ومنهم من خلط لذهاب بصره، أو لغير ذلك. والحكم فيهم: أنه يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل حديث من أخذ عنه بعد الاختلاط، أو أشكل أمره، فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده. فمنهم (عطاء بن السائب)، اختلط في آخر عمره، فاحتج أهل العلم برواية الأكابر عنه، مثل (سفيان الثوري) (وشعبة)، لأن سماعهم منه كان في الصحة، وتركوا الاحتجاج برواية من سمع منه آخراً. وقال (يحيى بن سعيد القطان) في (شعبة): إلا حديثين كان (شعبة) يقول: سمعتهما بالآخرة عن (زادان). (أبو إسحاق السبيعي)، اختلط أيضاً، ويقال: إن سماع (سفيان بن عيينة) منه بعد ما اختلط، ذكر ذلك (أبو يعلى الخليلي). (سعيد بن إياس الجُريري)، اختلط وتغير حفظه قبل موته. قال (أبو الوليد الباجي المالكي): قال (النسائي): أُنكر أيام الطاعون، وهو أثبت عندنا من (خالد الحذاء) ما سُمع منه قبل أيام الطاعون. (سعيد بن أبي عروبة)، قال (يحيى بن معين): خلط (سعيد بن أبي عروبة) بعد هزيمة (إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن)، سنة اثنتين وأربعين - يعني -ومائة. فمن سمع منه بعد ذلك فليس بشيء. (ويزيد بن هارون)، صحيح السماع منه، سمع منه بواسط، وهو يريد الكوفة. وأثبت الناس سماعاً منه (عبدة بن سليمان). (240) قلت: وممن عرف أنه سمع منه بعد اختلاطه (وكيع)، (والمعافى بن عمران الموصلي). بلغنا عن (ابن عمار الموصلي) أحد الحفاظ أنه قال: ليست روايتهما عنه بشيء، إنما سماعهما بعدما اختلط. وقد روينا عن (يحيى بن معين) أنه قال (لوكيع): تحدث عن (سعيد بن أبي عروبة) وإنما سمعتَ منه في الاختلاط ؟ فقال: رأيتَني حدثت عنه إلا بحديث مستوٍ ؟ (المسعودي) ممن اختلط، وهو (عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهُذَلي)، وهو أخو (أبي العميس عتبة المسعودي). ذكر (الحاكم أبو عبد الله) في كتاب (المزكين للرواة) عن (يحيى بن معين) أنه قال: من سمع من (المسعودي) في زمان (أبي جعفر) فهو صحيح السماع، ومن سمع منه في أيام (المهدي) فليس سماعه بشيء. وذكر (حنبل بن إسحاق)، عن (أحمد بن حنبل) أنه قال: سماع (عاصم)، هو (ابن علي)، (وأبي النضر) وهؤلاء، من (المسعودي) بعد ما اختلط. (ربيعة الرأي بن أبي عبد الرحمن)، أستاذ (مالك)، قيل: إنه تغير في آخر عمره، وترك الاعتماد عليه لذلك. (صالح بن نبهان)، مولى (التوأمة بنت أمية بن خلف)، روى عنه (ابن أبي ذئب) والناس. قال (أبو حاتم بن حبان): تغير في سنة خمس وعشرين ومائة، واختلط حديثه الأخير بحديثه القديم، ولم يتميز، فاستحق الترك. (حُصَين بن عبد الرحمن الكوفي)، ممن اختلط وتغير، ذكره (النسائي)، وغيره، والله أعلم. (عبد الوهاب الثقفي)، ذكر (ابن أبي حاتم الرازي)، عن (يحيى بن معين) أنه قال: اختلط بآخرةٍ. (سفيان بن عيينة)، وجدت عن (محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي): أنه سمع (يحيى بن سعيد القطان) يقول: أشهد أن (سفيان بن عيينة) اختلط سنة سبع وتسعين، فمن سمع منه في هذا السنة وبعد هذا فسماعه لا شيء. قلت: توفي بعد ذلك بنحو سنتين، سنة تسع وتسعين ومائة. (241) (عبد الرزاق بن همام): ذكر (أحمد بن حنبل): أنه عمي في آخر عمره، فكان يلقن فيتلقن، فسماع من سمع منه بعد ما عمي لا شيء. قال (النسائي): فيه نظر لمن كتب عنه بآخرة. قلت: وعلى هذا نحمل قول (عباس بن عبد العظيم)، لما رجع من صنعاء: والله لقد تجشمت إلى (عبد الرزاق)، وإنه لكذاب، (والواقدي) أصدق منه. قلت: قد وجدت فيما روي عن (الطبراني)، عن (إسحاق بن إبراهيم الدَبَري)، عن (عبد الرزاق)، أحاديث استنكرتها جداً، فأحلت أمرها على ذلك، فإن سماع (الدبري) منه متأخر جداً. قال (إبراهيم الحربي): مات (عبد الرزاق) (وللدبري) ست سنين أو سبع سنين، ويحصَّل أيضاً في نظر من كثير من العوالي الواقعة عمن تأخر سماعه من (سفيان بن عيينة) وأشباهه. (عارم محمد بن الفضل)، (أبو النعمان)، اختلط بآخرة. فما رواه عنه (البخاري) و(محمد بن يحيى الذُهَلي) وغيرهما من الحافظ، ينبغي أن يكون مأخوذاً عنه قبل اختلاطه. (أبو قِلابة عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي)، روينا عن الإمام (ابن خزيمة) أنه قال: حدثنا (أبو قلابة) بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد. وممن بلغنا عنه ذلك من المتأخرين (أبو أحمد الغِطريفي الجرجاني)، (وأبو طاهر) حفيد الإمام (ابن خزيمة). ذكر الحافظ (أبو علي البرذعي ثم السمرقندي) في (معجمه): أنه بلغه أنهما اختلطا في آخر عمرهما. (وأبو بكر بن مالك القَطِيعي)، راوي مسند (أحمد) وغيره، اختل في آخر عمره وخرف، حتى كان لا يعرف شيئاً مما يقرأ عليه. واعلم: أن من كان من هذا القبيل محتجاً بروايته في (الصحيحين) أو أحدهما، فإنا نعرف على الجملة: أن ذلك مما تميز، وكان مأخوذاً عنه قبل الاختلاط، والله أعلم.
|